القدّيسة مريم المصريّة - الأحد الخامس من الصّوم


القدّيس يوستينوس بوبوفيتش،

نقلتها إلى العربيّة: نوڤ الدّغل.

 

إنّه الأسبوع الخامس من الصّوم الكبير، الّذي هو أسبوع السّهرانيّات العظيمة، والجهاد النسكيّ؛ أسبوع النَّوْح والتّنهّد؛إنّه الأحد الخامس المُخَصَّص لإحدى أعظم القدّيسات، أُمّنا البارّة مريم المصريّة.

أمضت مريمُ سبعَ وأربعين سنةً في الصّحراء، وأعطاها الرّبُّ نعمةً مميّزةً، نادرًا ما يُعطيها لأحد القدّيسين. لسنواتٍ طويلة، لم تَذُق الخبز ولا الماء. عندما سأَلها الأب زوسيما عن ذلك، أجابَتْ: «لا نحيا بالخبز وحدَه» (مت 4:4). أطعَمَها الرّبّ بطريقة خاصّة،وأطلعها على حياة النُّسك، وجهاد النّاسك؛ والنتيجة، أنّها حَوَّلت جحيمَها إلى فردوس!

لقد غلبَت الشيطانَ وارتقَت عاليًا إلى الله. كيف؟ ومن خلال ماذا؟ من خلال الصّلاة والصّوم؛ نعم، بالصّلاة والصّوم. لأنّ الصّوم، المُقترَنَ بالصّلاة، هو قوّةٌ تغلبُ كلّ شيء. تقول ترتيلةٌ رائعة من الأسبوع العظيم: «لِنتبعْ مخلّصَ نفوسنا، الذي أرانا الغَلَبة على الشيطان بالصّوم». لا يوجد سلاح آخر، ولا وسيلة أخرى سوىالصّوم؛ هذا هو السّبيل لهزيمة الشّيطان، كلّ شيطان. والمِثال على هذه الغَلَبة هو القدّيسة مريم المصريّة.

الصّوم: يا له من قوّة إلهيّة! هو صلبٌ للجسد، وصلبٌ للذّات الإنسانيّة. ما دام هناك صليب، فالغلبة مضمونة. استسلمَ جسدُ مريم - وهي كانت زانية من الإسكندريّة سابقًا - للاستعباد للشّيطان، لكنّها حين اعتنقَتْ صليبَ المسيح، وحملت هذا السّلاح بيديْها، غَلَبَتِ الشّيطان.

الصّوم، هو قيامةٌ النّفس من الموت؛ الصّوم والصّلاة، يفتحان أعينَنا كي ننظرَ ونفهمَ ذاتَنا الحقيقيّة، كما نحن عليها. ندركُ عندها،أنّ كلّ خطيئةٍ في نفسِنا هي قبرُنا، هي ضَريحُنا، هي موتُنا؛ نَعي أنّ الخطيئة في نفسِنا لا تعملُ شيئًا سوى أنّها تجعل نفوسَنا مائتةً: أفكارنا، وأحاسيسنا، ونِيّاتنا؛ إنّها سلسلة من القبور. حينئذٍ،تنسكب صرخة النَّوح من النّفس: «قبْلَ أن أهلك بالكلّيّة، خلِّصْني».

هذه صرختُنا خلال هذا الأسبوع المقدَّس: «يا ربّ، قبل أن أهلك بالكلّيّة، خلّصني». هكذا صلّينا إلى الرّبّ خلال الأسبوع الخامس؛ صَرخنا عاليًا في الصّلوات الّتي سُلِّمَتْ إلينا في القانون الكبير لأبينا القدّيس أندراوس الكريتيّ. «يا ربّ، قبل أن أهلك بالكلّيّة، خلّصني». هذه الصّرخة تحرّك وجداننا جميعًا؛ مَن مِنّا بلا خطايا؟

من غير الممكن أن تفحص ذاتَك وألّا تَجِدَ في مكانٍ ما، في ركنٍ ما من نفسِك، في زاويةٍ ما، خطيئةً ربّما تكون قد نسيتَها. كلّ خطيئةٍ لم تَتُبْ عنها هي قبرُك وموتُك. إن أردْتَ أن تَخلُص وتُنهِض ذاتَك من قبرِك، اُصرخْ في الصّلوات الخشوعيّة من القانون الكبير: «يا ربّ، قبل أن أهلك بالكلّيّة، خلّصني». لا نُخدَعَنَّ ولا نُضِلَّنَّ أنفسنا؛ إذا وُجدَتْ خطيئة، ولو واحدة، في نفسك ولم تَتُب عنها، فستقودك إلى الجحيم. لا مكان للخطيئة في ملكوت السّماوات.

إذا أردْت أن تربح ملكوت السّماوات، فاحرصْ على التّخلّص من الخطايا جميعها. اِقتلع الآثام بالتّوبة؛ إذ لا ينجو أي إثمٍ من توبتنا. أعطى المسيح هذه القوّة للتّوبة المقدّسة. اُنظرْ، بما أنّ التّوبة استطاعت أن تُخلّص امرأة فاسِقة كالقدّيسة مريم المصريّة، فكيف لا تخلّص خطأة آخرين، بل أكبر خاطئ ومجرم؟ نعم، الصّوم الكبير هو ساحة القتال حيث نغلب الشرّير، من خلال الصّلاة والصّوم، ونتغلّب على الخطايا والأهواء كلّها، ونضمن لذواتنا الأبديّة والحياة الخالدة.

في سِيَر القدّيسين والمسيحيّين الحقيقيّين، هناك أمثلة لا تحصى تُظهر لنا أنّه، من خلال الصّلاة والصّوم فقط، نستطيع أن نهزم الشّياطين وكلّ الذين يعذّبوننا ويريدون جَرَّنا إلى أسفل، إلى مملكة الشرير، أي الجحيم. يا لهذا الصّوم المقدّس! إنّه غذاءٌلفضائلِنا المقدّسة؛ كلُّ فضيلة مقدّسة، تُصعِد نفوسنا من بين الأموات. 

 

https://pemptousia.com/2020/04/saint-mary-the-egyptian-5th-sunday-in-lent/



آخر المواضيع

في السلام بيننا
الفئة : زمن التريودي المقدّس

‏القدّيس غريغوريوس بالاماس 2024-03-28

عظة في أحد الأرثوذكسيّة​​
الفئة : زمن التريودي المقدّس

القديس لوقا الجرّاح، أسقف سيمفروبول 2024-03-24

جهاد الصوم الكبير (الجزء 2/2)
الفئة : زمن التريودي المقدّس

الشّيخ أفرام أريزونا 2024-03-12

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا