هل نحن حقًّا مسيحيون أرثوذكس؟


هل نحن حقًّا مسيحيون أرثوذكس؟

الدكتور خرالمبس م. بوسياس، ناظم تسابيح كنيسة الإسكندريَّة

نقلها إلى العربيَّة نديم سلُّوم

 

أرثوذكسيّتنا هي الحقيقة الوحيدة. إنها ليست فكرة، أو نظريَّة، أو نظام. إنَّ ربَّنا يسوع المسيح نفسه هو الذي يؤكد لنا أنَّه الحق عندما يقول: «أنا هو الحق» (يوحنا 14: 6). هذا الإله-الإنسان هو أرثوذكسيتنا!

إنَّ إيماننا الأرثوذكسي ليست فَرَضيَّة للمعرفة. إنَّه بالأحرى طريقٌ قويمٌ للحياة. الأرثوذكسية متطابقة مع الممارسة.

* إنَّها التقيُّد الدقيق بالتقليد.

* إنَّها الاستعداد للاعتراف بالإيمان والاستشهاد.

* إنَّها الروح النسكيَّة التي يجب أن نمارسها.

* إنَّها محبة فقر يسوع وتَجَنُّب النزعة الاستهلاكية.

* إنَّها أخلاقنا الصادقة وتوبيخ من ينحرف عنها.

* إنَّها الشوق إلى وحدة المسيحيين، حسب رغبة ربِّنا: «ليكونوا واحدًا» (يو 18: 11)، ولكن على أساس الحقيقة الوحيدة، وليس على أساس "تدبير المحبَّة" الذي يُظهِره الكثيرون على حساب الحقيقة.

يدعونا المسيح عبر العصور ليس فقط للقائه، بل لعيش حياته داخل الكنيسة التي أسَّسها بنفسه. إنَّ التناسق بين أفعالنا وأقوالنا هو الدليل القاطع على أنَّ إيماننا وحده هو الصحيح.

المسيحي الذي يعيش متَّحِدًا مع المسيح بالصلاة ويشترك في الأسرار والعبادة الأرثوذكسيَّة الجَماعيَّة يكون في أمان تام. يمتلك معرفة الخلاص وينتمي إلى قطيع ربِّنا الناطق، غير معرَّض للخطر من الذئاب المُتَلَطّين في ثياب الحملان، ومختلف الهراطقة (يوحنا 10: 1-16).

الأرثوذكسيَّة وحدها تخلِّص البشر، لأنَّها هي الحقيقة المُعلَنة. إنَّها مسيحنا الذي جاء إلى العالم «لِيُبَشِّرَ بِإِنْجِيلِ اللهِ» (مرقس 1: 14)، ويعلِّم و «يشهد للحق» (يوحنا 19: 37).

لذلك عندما يعرف الإنسانُ الحقَّ ويعيشه، يتحرّر من الخطيئة (يوحنا 9: 32) ويشترك في الحياة الحقيقيَّة (يوحنا 14: 6). المسيح هو الحق، هو الأرثوذكسيَّة، ونقيضه هو الخِداع والهرطقة.

فالخِداع ينكر الحق، والبدعة تشوِّهه. لهذا السبب، مَن وقع في الخداع أو ضلَّ بسبب هرطقة ما، فقد ابتعد عن الأرثوذكسيَّة، وبالتالي فَقَدَ إمكانيَّة الخلاص. وهذا ما أكَّده الشيخ الإلهيّ الحكيم إبيفانيوس ثيودوروبولوس عندما قال: «فقط في الكنيسة الأرثوذكسيَّة يوجد الخلاص.»

كنيستنا، التي هي «عامود الحق وقاعدته» (1 تيموثاوس 3: 15)، قد ناضلت بشدَّة، منذ العصور المسيحيَّة الأولى، على يد الرسل القديسين وخلفائهم، للحفاظ على الحق سليمًا وغير مشوَّه، لحماية المسيحيين من التعاليم الخادعة لـ "لمعلمين الكذبة" و"الأنبياء الكذبة" (متى 7: 15؛ 2 بطرس 2: 1؛ 1 يوحنا 4: 1).

المسيحيَ الأرثوذكسيَ الحقيقيَ هو الذي:

* يؤمن بالثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس.

* يقبل ويعترف بأنَّ المسيح هو ابن الله، يسوع الإله-الإنسان، عمانوئيل، وأنَّه مخلِّص العالم وفاديه.

* يعتمد على اسم الآب والابن والروح القدس، ويُمسح بالميرون المقدَّس الذي يرمز إلى مواهب الروح القدس ونِعَمِه.

* يحاول يوميًّا، في حياته وأعماله، أن يتقدَّم روحيًّا ويكون خليَّةً حيَّةً في جسد الكنيسة.

* يكرِّم والدة الإله وقدِّيسينا وإيقوناتهم الموقَّرة، على أساس أنَّ التكريم يعود إلى النموذج الأول. وهكذا، فإنَّ كل بيت مسيحيّ أرثوذكسيّ له إيقوناته، ونحن، ساكِنوه، نضيء سراجًا بنورٍ ساطعٍ أمامها.

جميع المسيحيين الأرثوذكس هم إخوة وأعضاء في الكنيسة التي أسَّسها المسيح على الصليب حيث سفك دمه المقدَّس.

في أيامنا هذه، حين يعلن الجميع معتقداتهم الخاصّة، لماذا يجب علينا نحن المسيحيين الأرثوذكس أن ننكر معتقداتنا؟ الإيمان لا يبقى مخفيًّا، بل يُعلَن، وهو ليس إحساسًا، بل معرفة الله. إنَّه استجابة البشر الشخصيَّة لدعوة الله للخلاص. حتى الشياطين يؤمنون، لكنهم لا يحافظون على الإيمان في حياتهم.

بالرغم من أنَّ الكنيسة محاصَرة إلاَّ أنَّها منتصرة، وبالرغم من أنَّ الأرثوذكسيَّة محاصَرة إلا أنها تنتصر وتُثبِت أنَّها مؤسَّسة أسَّسها الله، وأن رأسَها يسوع نفسه الإله-الإنسان، الذي يبقى «هو هو أمس واليوم وإلى الأبد» (عبرانيين 13 :8).

لقد كانت غَلَبةُ كنيسة المسيح ومجدُها دائمًا هو الاضطهادات والاستشهادات. في السراديب نَصَبت الكنيسةُ كأسَ النصر، وبنت الهياكل المقدَّسة على الذي كان عبر العصور «يتجزَّأ ولا ينقسم،» «يؤكَل ولا ينفدُ أبدًا،» «حمل الله الرافع خطايا العالم.»

إنَّ الحروب والاضطهادات التي تعرَّضت لها كنيسة المسيح والأرثوذكسيَّة حتى يومنا هذا لا تُعَدُّ ولا تُحصى، لأنَّ الله الذي أسَّسها منذ بدايتها حتى اليوم قد تلقَّت سهام أعدائها المنظورين وغير المنظورين، الذين يسعون إلى التهامها.

في كل مرة يتَّخذ عدوّ الخير أشكالًا مختلفة من الهجوم، «مثل أسد زائر يلتمس مَن يبتلعه» (1 بطرس 5: 8)، لكن البائسون لا يعرفون أنَّ المسيح ينتصر دائمًا، المسيح ينتصر لأنَّه غالب الموت، «نور العالم» (متى 5: 14)، «الحياة والقيامة» (يوحنا 11: 25)، «الطريق والحق» الوحيد (يوحنا 14: 6).

اليوم، يحارب عدوّ الخير الأرثوذكسيَّة بالهرطقة، بالدهريَّة، بالبحث عن المال، باكتساب المدَّخرات، باللَّهو الصِّرف، بالسياحة المريحة التي هي أكثر من مجرّد مشاهدة المَعالم، ولكن أيضًا الاستمتاع بالانغماس في الذات، بالشَّراهة، بالإسراف في شرب الخمر والكحول، بكلِّ أنواع الملذَّات الجسديَّة، التي ينظر إليها الرسول بولس باشمئزاز عندما يقول: «لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت» (1 كورنثوس 15 :32).

الكنيسة تُحارَب بأسلوب حياةٍ غريبة، وموسيقى تصمّ الآذان، والمخدَّرات، والإنترنت الذي هو "عقْب أخيل" الثقافي1، والذي يدخل منه الموت إلى جسد الكنيسة، إلى أعضائها الذين نسوا وصيّة رسول الأمم: «اثبتوا وحافظوا على التقاليد» (2 تسالونيكي 2: 15).

إنَّ الأعداء المتربِّصين في الكنيسة هم أحصنة طروادة، والعدو الذي يحاول خلسةً تدمير الأرثوذكسيَّة هو المسكونيَّة، التي تبتكر طُرُقًا مختلفة لإلقائنا في الأحضان السامَّة لأصحاب الفطير2، الذين يؤكّدون على أولويَّة البابا وعِصمته، والذين، مع الأونيَّا (unia)3 والقوة الاقتصاديَّة الموجودة تحت تصرُّفها، يدمِّرون، مثل المحدلة، السّالكين على طريق الأرثوذكسيَّة المباركة، الذين اتّخذوا الموقف: «قاتِلْ حتى الموت من أجل الحق، والرب الإله سيقاتل عنكم» (حكمة سيراخ 4:28).

ولكن يجب الحذر عندما ندَّعي أنَّنا أرثوذكسيون، فهناك من يتصرَّف بشكل غير أرثوذكسيّ ويمارس مهنةً تتناقض بشكل فاضح مع إيماننا وحياتنا الأرثوذكسيَّة، مثل المنجِّمين والوسطاء والسحرة والعرَّافين والمشعوذين وقارئي الأوراق.

ليس المقصود من الأرثوذكسيَّة تزيين حياتنا، مثل الزَّي الذي نخيطه وفقًا لمقاساتنا الخاصة. إنها قاعدة إيمانيَّة وطريقة حياة دقيقة.

يجب أن يتمتَّع المسيحيّ الأرثوذكسيّ بخبرة أرثوذكسيَّة، وطريقة حياة أرثوذكسيَّة. كثير من الذين يسمّون أنفسهم مسيحيين أرثوذكس يعيشون بعيدًا عن روح الأرثوذكسيَّة.

إن إنكار العقائد الحقيقيَّة لأرثوذكسيتنا يُجَرِّدنا من هويتنا كأرثوذكس، إلى جانب أسلوب حياة غير واعٍ وأرثوذكسيّ.

الكنيسة الأرثوذكسيَّة ساهرة وترى الأشراك التي ينصبها الشيطان للكثيرين منّا الذين يرفضون رفضًا قاطعًا كل الأنشطة والحِيَل والمِهَن التي تُغرِق النفوس في الفوضى، لأنها تتعارض مع العناية الإلهيَّة وتعاليم مسيحنا مصدر الحق. مستقبل البشر هو بِمُلكِ العناية الإلهيَّة.

الله وحده فقط يعرف ذلك ولا يمكن للعرَّافين والمنجِّمين وقارئي الأوراق كشفه. ولا حتى علماء الأبراج يمكنهم تفسير المستقبل.

من خلال الإيمان بمثل هذه الأشياء وبِعُلَماء المستقبل، فإننا نقوم بِتَشويه معنى الإرادة الحُرّة، وبالتالي مسؤولية الناس في الطريقة التي يديرون بها حياتهم.

نشدِّد على أنَّ المسيحيّ الأرثوذكسيّ هو مَن يؤمن فقط كأرثوذكسيّ ويجاهد ليعيش كأرثوذكسيّ. هذا لا يعني أنَّه سيكون بلا خطيئة، كما لو كان الأرثوذكس بلا خطيئة. الخطيئة هي في طبيعة الأشخاص العابرين، وهي ظاهرة عالَميَّة في الحياة.

لكن بالنسبة لمثل هؤلاء، فإنَّ الكنيسة الأرثوذكسيَّة هي مغسل نغتسل فيه بالتوبة والاعتراف. أولئك الذين يعيشون حياتهم المسيحيَّة بطريقة أرثوذكسيَّة ولديهم مسيرة حياة أرثوذكسيَّة يعرفون كيف يتوبون عن أخطائهم، ويطلبون رحمة الله، مع الإيمان بأنَّ الله يغفر لهم، حتى يتمكّنوا من المُضِيّ قُدُمًا بثبات في طريق الحياة الوَعِر والمتعَرِّج.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2016/03/are-we-truly-orthodox-christians.html

 

1 "عقب أخيل" هو مصطلح يشير إلى نقطة ضعف مميتة، بالرغم من كل القوة التي يمتلكها الشخص، والتي إن أصيبت تؤدي إلى سقوطه بالكامل.

2 أي الباباويون الذين يستخدمون الفطير بدل الخمير في الإفخارستيا.

3 أي الروم الكاثوليك.



آخر المواضيع

عظة في إنجيل الإيوثينا الحادية عشرة (يوحنا21: 14 - 25)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-04-04

عظة في إنجيل الإيوثينا العاشرة (يوحنا21: 1 - 14)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-29

عظة في إنجيل الإيوثينا التاسعة (يوحنا 20: 19 - 31)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-22

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا