التجلي المقدّس


التجلي المقدّس

الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس (٢٠٠٤)

نقله إلى العربية: فريق القديس غريغوريوس بالاماس

 

مثلما أنَّ جميع الأحداث الَّتي سردها لنا الإنجيليّون القدِّيسون قد حصلت من أجلنا ولأجل خلاصنا، هكذا أيضًا التجلّي المقدّس قد تمّ لأجلنا ولأجل خلاصنا. ما من أمرٍ في حياة ربّنا خلوًّا من الأهمية خلاصية أو لا يختصّ بخلاصنا، لهذا تجسّد وصار إنسانًا لخلاصنا. يظهر لنا عيد تجلّي المخلّص اليوم ألوهة الرَّبّ والمجد الَّذي كان له حين كان عند الله الآب، قبل خلق العالم، قبل كلّ الدهور. أظهر شيئًا يسيرًا من مجده لتلاميذه وليس بكامله، جزءًا منه، قدر ما استطاعوا فقط، حسب التَّسابيح في كنسيتنا. وهكذا أظهر لنا هدف حياتنا، ألا وهو المساهمة بنور الله بمجده وملكوته. فبحسب الآباء القدِّيسين: إنّ ملكوت الله لَهُو مجدُه ونورُه غيرُ المخلوق ومعاينة وجهِ السيِّد.

إذًا، من ناحية، لأجل تثبيت تلاميذه، الَّذين سيتعثَّرون بعدَ قليلٍ لرؤية مَوته صلبًا، تجلّى الرَّبّ في حقيقة أنّه فعلاً هو ابن الله وإله حقيقيّ. تجلّى أيضًا كي يقول لنا: إنّ كل ما يحصل معي، يجب أن يحصل معكم أنتم أيضًا. إنَّنا كلُّنا مدعوّون لنتجلّى. بالطبع تجلّى الرَّبّ بقواه الخاصة، أمّا نحن فعلينا أن نتجلّى من مجد إلى مجدٍ -كما يقول بولس الرسول- ليس بقوتنا الخاصَّة، بل بنعمة ونور الرَّبّ المُتجلّي.

تحدّث العهد القديم أيضًا عن هذا النور، نال البعض -كما سمعنا في القراءات- مثل النبيّ موسى المجد من لدن الله، لكنّ أحدًا لم يتجرّأ، مهما نال من مجدٍ أو نعمة من الله، أن يقول: أنا هو نور العالم. (يوحنا٨: ١٢) كذلك (يوحنا١٢ :٤٦) الرَّبّ يسوع المسيح وحدَه تجرَّأ وقال هذا، فهو الحياة، المسيح هو الكلّ.

لكن، كيف نستطيع نحن الخطأة ذوي الأهواء أن نُساهم هذا النُّور الإلهيّ؟ كيف نُصبح نورًا؟ كيف تتراجع من داخلنا ظُلمة الأهواء والخطايا؟ كيف تقلّ هذه الظلمة تدريجيًا فينا ويزداد نور المسيح؟ إنَّ هذا هو جهادنا. لهذا، ننظر اليوم إلى الرَّبّ المتجلّي ونرى الغاية الَّتي نتوق أن نبلغها؛ لأنَّه على كل مسيحيّ أن يتمثَّل بالمسيح، وهكذا نتوق أن يحدث لنا في حياتنا كلّ ما حصل للمسيح، كما يقول الآباء القدِّيسون، يجب أن نسير على تدرّج كمال ملء قامة المسيح الروحيَّة وأن يتم لنا ما تمّ له.

إذًا، يجب أن نتجلّى عبر نور تجلّي ربنا. هذا جهادنا بتوبتنا وصلاتنا وتواضعنا وطاعتنا ومساهمتنا بجسد ودم الرَّبّ المنيرين. فإنَّ المناولة الإلهية هي نور. بمساهمتنا نِعَم الثالوث القدّوس الإلهية سنتمكّن، نحن أيضًا، من أن تقلّ الظلمة تدريجيًا فينا ويتزايد نور المسيح.

نِعمّا لكلّ من ينظرون اليوم الرَّبّ المتجلّي وفيه يرون ذواتِهم.

من جهة نحزن على أنفسنا، إذ لا نرى هذا النور يسطع فينا، أمَّا لأجل المسيح المتجلّي فنفرح ونشكره ونمجّده. اليوم نتوسّل إليه باتضاع أن يساعدنا كي نتوق للنور غير المخلوق، نور وجهه، ونتوق لإعادة بناء إنساننا الداخليّ، ونصيّره منيرًا، كما أنّ المسيح مشرقٌ وكلّه نور وكلّه حياة وكلّه قيامة وكلّه حق.

وهكذا، بعدما نجاهد الجهاد الحسن، سنكون منفِّذين لمشيئة الرَّبّ المقدَّسة الإلهيَّة ألا وهي التألّه بالنعمة، كما قلنا مرارًا.

كيف نصبح آلهةً بالنعمة؟ لا يمكن هذا إذا بقينا قابعين في الظلمة وإن لم يملئ نور المسيح المقدّس كياننا...

نرتل في المجدلة قائلين: "بنورك نعاين النور"

فعلاً، يمكننا أن نرى النور بنور وجه المسيح وحده. إنّ مسيحَنا منيرٌ وسيِّدتَنا والدةَ الإله منيرةٌ جدًا وقدِّيسينا منيرون ونحن مدّعوون لنصبح نورًا.

لعلّ الله يساعدنا أيضًا عبر صلوات جميع القدِّيسين الَّذي حقّقوا الاستنارة والتأله ومعاينة لمعان نور التجلّي غير المخلوق؛ وقد شوهد العديد منهم بداخله -كلّ من كان مستحقًّا لرؤيتهم فيه.

كما نذكر في سيرة القدِّيس غريغوريوس پالاماس-الَّذي قرأنا قبل قليل عظته حول عيد التجلّي- هذا القدِّيس الَّذي دافع بالمرتبة الأولى أكثر من سواه عن عقيدة النور غير المخلوق. لمّا حانت الساعة ليسلّم روحه القدِّيسة، شاهد كاهنين بين الحضور-أحدهما كاهن متوحّد والآخر متزوّج؛ هذانِ شاهدا وجهه يلمع بأكمله بالنور، نور التجلّي. كانا مستحقّين لذلك.

القدِّيس غريغوريوس پالاماس الَّذي جاء بعمر عشرين سنة إلى الجبل المقدّس، وتاق كثيرًا لأن يتحرّر من الظلمة صارخًا باستمرار:" أنر ظلمتي!" أيعقل ألاّ تُستجاب صلاته وألاّ يلمع بوسط نور المسيح؟

إذًا، علينا نحن أيضًا أن نغار منهم، غيرة نافعة مقدّسة، بطريقة ما، ولنتوسّل إلى الرَّبّ أن يهبنا أن نجاهد لأجل النور الأزلي غير المخلوق أي ملكوت الله، وإليها نحن مدعوّون. وإن شاهدنا شيئًا منه فلنا رجاء أن يؤهلنا الرَّبّ لكي نعيش بنور ملكوته، وهو ما أتمنّاه لكم جميعًا.



آخر المواضيع

التجلي المقدّس
الفئة : أعياد سيديّة

الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس 2025-08-05

"والدة الإلـه "إنّي أنا مدينتك
الفئة : أعياد سيديّة

الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس 2025-04-03

عيد البشارة
الفئة : أعياد سيديّة

الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس 2025-03-24

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا