لماذا رفض الأب جبرائيل قراءة الجريدة؟

سنكسار القرن العشرين

تعريب: ماهر سلّوم

 

كان الأب جبرائيل فرانغوليس (1868 – 1943) كاهنًا بسيطًا من باتراس في اليونان وهو يُشَخِّص في العديد من النَّواحي كاهنَ الرعيّة النَّموذجيّ. كان مُزارِعًا باسم فيليبس قبل أن يصير راهبًا، وكان كاهن رعيّة في قرية أغيوس إلياس خلال حرب البلقان ما بين عامَي 1912 و1913. خلال خدمته هناك، كان يتعاطى في السّياسة وكان مُتَحَمِّسًا لاستعادة اليونان وطنًا وشعبًا. كان يُسرِع كلّ يوم إلى محطّة القطار في ميرتيا كي يشتري الجريدة ويقرأ أخبار انتصارات الجيش اليونانيّ في مقدونيا وإبيروس، ويشعر بالاعتزاز والوطنيّة. وعندما قرأ خبر تقدُّم البلغار نحو تسالونيكي والتَّهديد المُوَجَّه على المدينة، استشاط غيظًا وكاد ينفجر. وقال في ذاته: «أه، أتمنّى لو كنتُ هناك الآن، لَكُنتُ حطَّمتُ البعض منهم». لكن عندما أدرك في داخله ماذا يقول، شَعَرَتْ نفسُه بالاضطراب وسمع صوتًا عاليًا يَزجُرُه قائلًا: «عارٌ عليك يا جبرائيل! ماذا تقول أيّها الكاهن؟! لن تقرأ الجريدة من الآن فصاعِدًا».

 

وتمسّك الأب جبرائيل بشدّة بهذا المَنع وفَرَضَهُ على نفسه كَقانون تأديبيّ. يروي أحد مَعارِفه القصة التّالية: «في آب 1939، وجدتُ الأب جبرائيل في دير جيروكوميو وكنتُ قد علمتُ أنّنا وصلنا إلى بداية الحرب. كان اسم هتلر وكلامه معروفًا في كلّ مكان. وصلنا في ذلك المساء ودعاني الأب جبرائيل إلى قِلّايته. سألني: «مَن هو ذاك المَدعوّ هتلر، يا ابني؟ هل هو مع الإنكليز؟» فأجبتُه: «كلّا يا أبتِ، إنّه مع الألمان»، فقال مُتَنَهِّدًا: «فَليُنِرْهُ الله!»، فسألتُه: «يا أبتِ، ألا تعرف هذه الأمور؟ كيف لا تعلم أنّ هتلر ألمانيّ؟ ألا تقرأ الجرائد؟». أجاب ضاحِكًا: «آه، لقد فُرِضَ عليّ قصاصٌ». تنهّد عميقًا وأخبرني سبب القصاص، وأنهى كلامه بِغَصَّة في حنجرته هامِسًا: «لأنّي أنا عارِفٌ بإثمي وخطيئتي أمامي في كلّ حين». اغرورقت عيناه بالدّموع وأسرع في إنهاء حديثه وقال: «منذ ذلك الحين فرضتُ جزاءً، قانونًا تأديبيًّا لنفسي ألّا أقرأ جريدةً فيما بعد، ولم أضع واحدة في يدي أبدًا، إنّني أُقاصصُ ذاتي منذ ذلك الوقت».»

 

عندما لم يكن الأب جبرائيل في الكنيسة، كان يجلس في المقهى مع الناس. كان يحاول دائمًا أن يُفيد الناس، أن يُسَكِّن نفوسهم، أن يُهِدِّئهم وأن يطفئ غضب روحهم النّاتج عن أهواء السّياسة. كان يرفض أن يكون أحدٌ واقعًا في شِدّة. في تلك السّنين لم يكن الكهنة يتقاضون راتبًا من الدولة، بل كانت تَقْدِمات المؤمنين تدعمهم مادّيًّا. كان العديد من المؤمنين يعطون المال للأب جبرائيل، لكنّه كان يعطيه حالاً للمُحتاجين ولا يترك أيّ شيء لذاته. حتى أنّه عند رقاده، لم يُدفَن بثيابه الكهنوتيّة، لأنّه كان قد قدّمها لكاهن فقير كان مُحتاجًا لها. عندما سُئل عن اللباس الذي سوف يُدفَن به، أجاب: «هل تظنّون أنّ الله لن يعرف أنّني كاهنٌ إن لم ألبس ثيابي الكهنوتيّة؟ أقول لكم إنّه سوف يعرفني، سأذهب إذن بِجُبَّتي السوداء».

 

المصدر:

https://www.johnsanidopoulos.com/2019/11/why-certain-priest-refused-to-read.html