هل كان القديس نيقوديموس الآثوسي نتاج التأثير الغربيّ؟

المتقدِّم في الكهنة ثيوذوروس زيسيس

تعريب: نديم سلُّوم (بتصرُّف)

 

اهتمَّ الدَّارسون المُعاصِرون بالسؤال التالي: هل كان هناك من تأثير غربيّ، كاثوليكيّ بشكلٍ رئيسيٍّ، في تعليم القديس نيقوديموس الآثوسي وكتاباته، خاصةً في كِتابَيْ «الحرب اللامنظورة» و«التّمارين الروحيَّة». يتَّهم معارضو القدّيس أنَّ هذين العَمَلَيْن موجودان في الغرب وما قام به القدّيس هو مُجَرَّد ترجمتهما حَرفيًّا، مِمَّا يضع مُناصِري القدّيس نيقوديموس في موضعٍ مُحرِجٍ. علاوة على ذلك، استعمل العالِم ثيوذوريتوس المُعادي لجماعة الكوليفا هذه الحجَّة لِيَكُنَّ العداوة ضدَّها. يقول ثيوذوريتوس إنَّ مصدرًا مجهولًا قد ترجم كتاب «التمارين الروحيَّة» إلى لغَّتنا (اليونانيَّة) وقد وَجَدَهُ نيقوديموس وأضاف عليه بعض التّعليقات بما يختص الحياة المسيحيَّة، ثمَّ قام بِنَشْرِه.

ما الذي حصل فعلًا هنا؟ هل قام القدّيس بِسَرِقة عملٍ ليس له؟ كيف يمكن تَبرير اعتماد هَذَين العَمَلَيْن على الكتابات الغربيَّة وخاصةً بعد تحديد هويَّة كاتِبَيْ هذَين العملَيْن؟ كاتب «الحرب اللامنظورة» هو لورنزو سكوبولي (Lorenzo Scupoli)، وكاتب «التمارين الروحيَّة» هو إغناطيوس لويولا (Ignatius of Loyola).

يجب أن نذكر أنَّ القدّيس نيقوديموس لا يبغي الشهرة من خلال كُتُبِه وذلك لأنَّ لديه الكثير من الأعمال التي لا يذكر اسمه فيها أو حتَّى نُسِبَت لأشخاصٍ آخرين. فيما يختصّ بهذين العملَيْن لا يذكر القدّيس أنَّه الكاتب وذلك من خلال عنوان الكتابَيْن؛ عنوان العمل الأول هو: «كتاب للمنفعة الروحيَّة يُدعى الحرب اللامنظورة، مؤلِّفُه الأصلي هو شخصٌ حكيمٌ، ولكن قُدْس الراهب نيقوديموس قام بِتَصحيحه وتَعزيز مُحتَواه»، وعنوان العمل الثاني هو: «لِمَجد الآب والابن والروح القدس: التمّارين الروحيَّة، عُمِّمَ للدراسة والفحص والقراءة، علَّق قُدْس الرّاهب نيقوديموس على النص وأضاف عليه ملاحظات». إذًا لم يغتصب القدّيس نيقوديموس عمل شخص آخر بغية تَحصيل مجدٍ فارغٍ.

أجرى أحد الدَّارِسين مقارنةً بين الأعمال الأصليَّة والجديدة ووجد أنَّ في كتاب «الحرب اللامنظورة» أضاف القدّيس تعليقات وحَواش واقتباسات. وفي الكتاب الثاني «التمارين الروحيَّة» أخذ القدّيس نيقوديموس هذا الكتاب الذي يتألَّف فقط من ثلاثين صفحة وحوَّله إلى عمل من 650 صفحة.

يلاحظ ثيوذوريتوس أنَّه من المستحيل ألاَّ يختلط سُمّ الاعتقاد الفاسد بمثل هذه الأعمال. كما يقول السيِّد: «هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ ٱلْحَسَكِ تِينًا؟» (متى 16:7).

في رَدِّنا على هذه الحجَّة، نقول إنَّ القدّيس استبدل كلّ المعتقدات الفاسِدة الموجودة في هذَين العملَيْن بالتَّعاليم الأرثوذكسيَّة الزَّكِيَّة. يدرك القدّيس نيقوديموس أنَّه من الممكن للكاتب الأرثوذكسيّ أن يأخذ أفكارًا من اللاهوت الغربيّ طالما هذه الأفكار خالية من الهرطقة. يقول القدّيس نيقوديموس بنفسه في كتابه «دليل سِرّ الإعتراف» (Exomologetarion): «علينا أن نمقت ونبغض العقائد والعادات اللاتينيَّة وغير الأرثوذكسيَّة؛ ولكن إذ كانوا يملكون أمورًا توافق عليها قوانين المجامع المقدَّسة، فهذه لا يجب أن نمقتها».

إسمحوا لي أن أفتح فصلًا آخرًا بما أنَّ السؤال عن التأثير الغربيّ في أعمال القدّيس نيقوديموس ما زال مطروحًا. أظهر خريستوس يانَّاراس نفسه على أنَّه ثيوذوريتوس جديد من خلال سَعيِه في تشويه سُمعة القدّيس نيقوديموس بادِّعائه أنَّه استعار أفكارًا من أعمال غير أرثوذكسيَّة ووَضَعَها في كِتابَيْ «دليل سر الإعتراف» و«دفَّة السفينة» (Paidalion). هذا أمرٌ خطيرٌ للغاية: لقد بدأ عددٌ من الدَّارِسين المُرتَبِطين بِمُعَسكر الأرثوذكس الجُدُد باتِّباع آراء يانَّاراس فيما يختصّ بالقدّيس نيقوديموس بُغية تبرير العلاقات الجنسيَّة قبل الزواج و«الحب الحر»[1]. تشكِّل تعاليم القدّيس نيقوديموس الموجودة في كتابَيْ «دليل سِرّ الإعتراف» و«دفَّة السفينة» حاجزًا منيعًا في وجه مساعي يانَّاراس والأرثوذكس الجُدُد، لذلك يحاولون نَسب أعمال القدّيس إلى تأثيرات غربيَّة. لكنّ الأب ثيوكليتوس قام بِنَشر مجموعة من تعاليم الآباء بما يختصّ بالزواج والحبّ، داحِضًا مفاهيم يانَّاراس والأرثوذكس الجدد الخَطيرة.

عبَّر المجمع المقدّس لجبل آثوس عن أسَفِهِ بخصوص هذا الهجوم على الأب الآثوسيّ نيقوديموس وتعليمه:

«لقد عَلِمَ المجمع المقدس بحزنٍ وبألمٍ في القلب بالأمور التي كَتَبَها الأستاذ خريستوس يانَّاراس في كتابه «الأرثوذكسيَّة والغرب في اليونان المعاصرة» ضدَّ قدِّيسنا نيقوديموس الذي من الجبل المقدس. في الكتاب السابق ذكره، يقدِّم الكاتبُ هذا المعلِّمَ المُخلِص والعظيم للكنيسة على أنَّه استسلم للضلال، كأنَّه من صناعة روح الغرب. كما حَمَّلَهُ مسؤوليَّة «الإنهيار السريع للتقوى الكنسيَّة» ودَهْرَنة شعبِنا، مُدَّعيًا أنَّ هذا ردَّة فعل على العقليَّة الحُقوقيّة (legalistic) المُعَبَّر عنها في كتابَيْ «دليل سر الإعتراف» و«دفَّة السفينة»، والذي «تسبَّب بالانتشار السريع لهذا الوباء المُهلِك في الممارسة الرعائيَّة في الكنيسة».

بكلامٍ آخر، اعتقد يانَّاراس أنَّ الذِّهنيَّة الموجودة في كتابَيْ «دليل سرّ الإعتراف» و«دفَّة السفينة» هي وباء مُهلِك ينتشر بسرعة وقد تعرَّضت الكنيسة في اليونان لهذا المرض بسبب القدّيس نيقوديموس. مع ذلك، كلّ الذين درسوا أعمال القدّيس نيقوديموس يعلمون أنَّ هذين العملَيْن قد عُرِضا بشكلٍ دقيقٍ على الشيوخ القِدّيسين الذين ترسَّخوا بالذهنيَّة الأرثوذكسيَّة. هل كان يانَّاراس أو العديد من لاهوتِيّي اليوم سيفعلون هكذا؟ في أيّامنا هذه، لا نفشل فقط في التماس رأي الشيوخ الموَقَّرين، ولكن عندما يُعَبِّرون عن آرائهم بدافع المحبَّة والقلق، فإنَّنا نُهينُهم ونستخفّ بهم، قائلين إنَّهم يتصرَّفون بدافع الحقد. جميع أعمال القدّيس نيقوديموس لا تحمل أيّ تعليم غير أرثوذكسيّ وفقًا لمراجع رسميَّة (البطريركيَّة المسكونيَّة). ولكن من الذي أقرَّ بأرثوذكسيَّة أعمال يانَّاراس أو اللاهوتيين الآخرين؟

بالإضافة إلى ذلك، العديد من الآباء الروحيين، ومنهم قدّيسون، قد استعملوا أعمال القدّيس نيقوديموس كمرجعيَّة لهم. على سبيل المثال القدّيس نكتاريوس. تاليًا، على الأستاذ يانَّاراس أن يهاجم القدّيس نكتاريوس. لكنَّه لم يفعل هذا، لِعِلْمِه أنَّ القدّيس نكتاريوس مُكَرَّمٌ ومعروفٌ من قبل المؤمنين الأرثوذكس. بدلاً من ذلك، يَصُبُّ هجومه على القدّيس نيقوديموس المعروف بدرجة أقلّ من القدّيس نكتاريوس، ظانًّا أنَّ انتقاداته سَتَمُرُّ من دون محاسبة.

نجد في جميع كتابات الآباء كلامًا عن عدالة الله وغضبه، وأيضًا عن مخافة الله. لم يتكلّم الآباء فقط عن محبَّة الله بل أيضًا عن عَدالَتِه. بالطبع يجب أن لا نفهم عدالة الله بالطريقة الغربيَّة أي الحُقوقيَّة. عندما يعاقب الله وعندما تفرض الكنيسة قصاصات روحيَّة، فَهُما لا يتصرَّفان كقضاة بل كأطبَّاء. لا يَدينان بل يَشفِيان.

لا يمكن للقدّيس نيقوديموس الذي كان يمتلك ذهنيَّة الآباء والذي نما في التقليد الآبائيّ وتغذَّى منه وحفظه وأصبح هذا التقليدُ حياتَه وهويَّتَه، أن يكتبَ ضدّ آباء الكنيسة وينشر «وباءً مهلكًا» في المؤمنين الأرثوذكس.

لو كان القدّيس نيقوديموس اليوم حيًّا بيننا مُواجِهًا هذه الإتِّهامات، لَفَعَلَ كما حصل عندما اتُّهِم بمبالغته في تكريم والدة الإله. قال إنَّ مُتَّهِميه عليهم أن يتَّهِموا أيضًا الآباء القدّيسين الذين سَبَقوه بما أنَّه نقل كلماتهم بأمانةٍ.

إذا تمَّ انتقاد القدّيس نيقوديموس، فيجب أن ننتقد أيضًا هؤلاء الآباء القدّيسين الذين سبقوه. لا يحتاج القدّيس نيقوديموس إلى مُحامٍ: إنَّه عمودٌ لا يتزعزع للإيمان الأرثوذكسيّ ويجب أن نذكر اسمه بشكلٍ لائقٍ ونقدِّم له التسابيح.

 

من كتاب "اتِّباع الآباء القديسين" للمتقدِّم في الكهنة ثيوذوروس زيسيس

الفصل السادس: «الكولِّيفاديس»

 


[1]إنَّ مصطلح "الحب الحر" استُخدِم منذ القرن التاسع عشر للتعريف بحركة اجتماعيَّة ترفض الزواج، والتي كانت ينظر إليها بوصفها شكل من أشكال العبوديَّة الاجتماعيَّة، وخصوصًا بالنسبة للمرأة. الهدف الأساسي لحركة الحب الحر هو فصل الدولة (أو الدين) عن الشؤون الجنسيَّة كالزواج، تحديد النَّسل، والجنس خارج إطار الزواج، حيث رأت بأن هذه القضايا هي شأن خاص بالأفراد فقط. (المُعَرِّب)