خصائص الكنيسة،

(الجزء الأول)

القدّيس يوستينوس بوبوفيتش.

 

إنّ خصائص الكنيسة لا تُعَدّ ولا تُحصى لأنّها هي في الواقع خصائص الرّب يسوع المسيح «الإله–الإنسان»، ومن خلاله، هي أيضًا خصائص الثّالوث القدّوس. ومع ذلك، فإنّ آباء المجمع المسكونيّ الثّاني القدّيسين، الممتلئين حكمةً إلهيّة، قاموا بإرشاد وتوجيه الرّوح القدس بِحَصْر هذه الخصائص إلى أربع، وذلك في المادّة التّاسعة من دستور الإيمان: «أِؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة». هذه الخصائص: الوحدة، القداسة، الجامِعيّة والرسوليّة، هي مُشتَقّة من طبيعة الكنيسة ذاتها ومن غايتها، وتُحدِّد بوضوح ودِقّة ماهيّة كنيسة المسيح الأرثوذكسيّة على أنّها مؤسّسة وجَماعة «إلهيّة–إنسانيّة»، وتجعلها بالتّالي مميَّزةً عن المؤسّسات البَشَرِيّة والمجتمعات كافّةً.

 

   1. وحدة وفرادة الكنيسة:

كما أنّ شخص المسيح الإله–الإنسان هو واحد وفريد، كذلك الكنيسة القائمة بواسطته وبه وعليه، هي واحدة وفريدة. تتأتّى وحدة الكنيسة من وحدة شخص الإله–الإنسان، المسيح الرّب، كونها بالطبيعة نِظامًا مُتَكامِلًا إلهيًّا–إنسانيًّا فَريدًا لا مثيل له في العالم كلّه، وبحسب القوانين السّماوية والأرضيّة كافّةً، فلا يمكن لها أن تنقسم. أيُّ انقسامٍ يعني موتَها. بما أنّها كائنة بالكليّة في الإله–الإنسان، فهي بالدّرجة الأولى، وعلى الأصعدة كلّها، جسد إلهيّ–إنسانيّ، ثم بالدّرجة الثّانية مُنَظَّمة إلهيّة–بشريّة. كلّ شيء فيها هو «إلهيّ–إنسانيّ»: طبيعتها، إيمانها، حُبّها، معموديّتها، إفخارستيّتها وأسرارها وفضائلها المقدّسة كافّةً؛ تعليمها كلّه، وحياتها، وخُلودها، وطبيعتها الأزليّة وبُنيَتُها. نعم، نعم، نعم، كلّ شيء فيها هو مُتَكامِل وغير منقسم، إلهيًّا وإنسانيًّا: المَسْحَنة، التَّقديس، التّأليه، التَّثليث، والخلاص. كلّ شيء فيها مُتَّحِدٌ عُضويًّا بالنّعمة، بجسدٍ إلهيّ- إنسانيّ واحدٍ ذي رأسٍ واحد «الإله–الإنسان»، المسيح الرّب. أعضاؤها جميعهم، رغم كَونِهم أشخاصًا سالِمين ومَصونين، هم مُتَّحِدون بنعمة الرّوح القدس بذاته في وحدة عضويّة من خلال الأسرار المقدّسة والفضائل، فيؤلّفون بالتّالي جسدًا واحدًا ويعترفون بالإيمان الواحد الّذي يربطهم ببعضهم وبالرّب يسوع.

إنّ الرّسل المتوشّحين بالله مُلهَمون من الله، إذ يُذيعون بوحدانيّة وفرادة الكنيسة، مُرتَكِزين على وحدانيّة وفرادة مؤسِّسها: الإله- الإنسان، المسيح الرّب وشخصه الإلهيّ–الإنسانيّ، «فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ، ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ المسيح» (1 كورنثوس 11:3).

على مثال الرّسل القدّيسين، وبحكمة الشّاروبيم الإلهيّة وغيرة السّارفيم، يعترف الآباء القدّيسون ومعلّمو الكنيسة بوحدانيّة وفرادة الكنيسة الأرثوذكسيّة. على ضوء هذا، يمكننا تَفَهُّم الغيرة المُلتَهِبة التي حَرَّكت آباء الكنيسة في حالات الانقسام والانحراف بعيدًا عن الكنيسة، وموقفَهم الصّارم ضدّ الهرطقات والانشقاقات. في هذا الصّدد، فإنّ المجامع المسكونيّة والمحليّة هي ذات أهميّة استثنائيّة. بحسب الرّوح والتَّوَجُّه الحكيم في ما يَخُصّ المسيح الذي تتحلّى به هذه المجامع، فالكنيسة ليست واحدةً فحسب، بل هي فَريدة من نوعها أيضًا. فكما أنّه لا يمكن للمسيح الرّب أن يكون لديه أجساد عدّة، كذلك لا يمكن أن تقوم به كنائس عدّة. وفقًا لطبيعته الإلهيّة–الإنسانيّة، الكنيسة هي واحدة وواحدة فقط وذلك تمامًا كما أنّ المسيح الإله–الإنسان هو واحدٌ لا نظير له.

من هنا، فإن تجزئة الكنيسة وتقسيمها هو مستحيلٌ أنطولوجيًّا وجوهريًّا. الكنيسة لم تنقسم يومًا، ولا يمكن أن تنقسم أبدًا، لكنّ الارتداد عنها قد حصل وسيحصل مُجَدَّدًا، تمامًا كما أنّ الأغصان اليابسة غير المثمرة تسقط بنفسها من الكرمة الإلهيّة-الإنسانيّة الأزليّة، المسيح الرّب (يو 1:15-6). لقد انفصل هراطقةٌ ومُنشَقّون وانحرفوا عن كنيسة المسيح الواحدة والوحيدة غير المنقسمة، وكَفّوا بالتّالي عن أن يكونوا من بين أعضاء الكنيسة وأجزاء من جسدها الإلهيّ–الإنسانيّ. انفصل اوّلًا الغنوصيّون، ثم الآريوسيون، والنّسطوريون، والمونوفيزيت (الأقباط، الأرمن والسّريان) ومحاربو الأيقونات، وبعدهم الكاثوليك البابويّون، والبروتستانت والاتّحاديون (مثل الرّوم الكاثوليك)، وبعدهم سائر أتباع حشد الهراطقة المنشقّين.

 

المصدر

.Popovich, Archimandrite Justin. The Orthodox Church and Ecumenism

.Translated by Benjamin Emmanuel Stanley, Lazarica Press, 2000. P. 47,48