المناولة المقدَّسة حسبَ القدّيس نيقوديموس الآثوسيّ (الجزء الثّاني)

(الجزء الثّاني)

خريستوفورس، متروبوليت سلوفاكيا وجمهوريَّة التّشيك السّابق.

نقلها إلى العربيّة: نديم سلّوم.

 

2- المسألة الثّانية الّتي خَصَّها الكاتب، تتمحوَر حول المناولة المتواترة. نقرأ أيضًا عن موضوع المناولة المقدَّسة في أعماله الأخرى، مثل "الجهاد النّسكيّ". يتشدَّد هنا أكثر، ويشرح المقاطع الكتابيَّة، والآبائيَّة، والمجمعيَّة أنّها توجِبُ على المسيحيّين الأرثوذكسيّين أن يتناولوا باستمرارٍ. زيادةً على ذلك، يشرح مدى أهميَّة أن نتناول هذه المواهبَ الكريمة لخلاصنا؛ لأنَّها تزيد من محبَّة المؤمنين لله. يختبر المسيحيّون، الّذين يتناولون باستمرارٍ، القيامةَ الحقيقيَّة: أي فصحَهم الخاصّ.

هذا هو الموقف المعلَن، في كلمات القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، في الفصح: "في الواقع، خلال زمن الصّوم الكبير، نتناول ثلاث أو أربع مرّاتٍ في الأسبوع، أو بالأحرى مرّاتٍ عديدةٍ كما نشاء. ليس الفصحُ صومًا، بل هو الشّركة في كلّ قدّاسٍ إلهيٍّ. تعلَّمْ، هذه الحقيقة، واستمِع لما يقوله بولس الرّسول: "إنَّ الفصح، هو المسيح الّذي بذل نفسه بمحبَّةٍ، ذبيحةً من أجلنا. كلّ مرة تتناولون هذه الهبات المقدَّسة، تحتفلون بالفصح البَهِج".

كثيرًا ما تطهِّر المناولةُ المقدَّسة أرواحَنا، وتُعين صحَّتَنا: "اسمعوا، أيّها المسيحيّون، ما مقدار الخير الّذي تحصلون عليه في المناولة المتواترة. تُشفى جراحُكم، وتستعيدون صحَّتَكم بالكامل".

يحتوي هذا الكتاب أيضًا على مفهوم المناولة المقدَّسة، بوصفها علاجًا للنّفس والجسد المريضَيْن. يرتبط هذا المفهوم ارتباطًا وثيقًا بالتّعليم الآبائيّ، حول أهميَّة الحياة في المسيح. لا يطوِّر الكاتب هذا الموضوع نفسَه، ولكن يلاحظ أهمِّيته وكم يمكن أن يُقال عنه: "هذه الخيرات الفائقة الطّبيعة كلّها، الّتي ذكرناها أعلاه، تربط كلّ مسيحيٍّ - لديه وعي واضح - بأسرار يسوع المسيح الإلهيَّة، كما أنّها تمنحه الكثير من الصّالحات الأُخَر، ولكن ليس هذا المكان المناسب لاهتمامنا بها بالتّفصيل".

 

3- يولي القدّيس نيقوديموس في كتابه، أهميَّةً كبيرةً لأولئك الّذين يعارضون المناولة المتواترة. يعالج جميع الحجَج المعارِضة للمناولة المتواترة الّتي يعرفها، ويرفضها الواحدة تلوَ الأخرى بوقارٍ واحترام. كما في حالاتٍ أُخَر، ينشر نصوصًا مختارةً من الكتاب المقدَّس، والقوانين الرّسوليَّة والمجمعيَّة، وأعمال الآباء القدّيسين.

الحجّة المهمّة بين الحجج الثّلاث عشْرة، ضدَّ المناولة المتواترة الموجودة في هذا الجزء من الكتاب، هي أنَّ هذه الممارسة ليست عقيدةً في الكنيسة؛ لذلك لا ينبغي اتِّباعها. فيما يتعلَّق بهذا، يشير القدّيس نيقوديموس إنَّ المناولة المتواترة، هي مهمّةٌ أكثر من العقيدة؛ إنَّها وصيَّةٌ من الله. يؤكِّد القدّيس نيقوديموس ذلك، من خلال كلمات المسيح: "اصنعوا هذا لِذِكري". تشكِّل هذه الكلمات قاعدة الإفخارستيا، وتعني أنّه يجب أن نتناول كلَّ يومٍ حتَّى نهاية حياتنا، كما فعل الرّسل بعد تأسيس الكنيسة. كلمات الرّبّ، لها وزنٌ أكبر من العادات الكنسيَّة كلّها: هذا ما يعلِّمه القدّيس نيقوديموس، وهذا ما يتبعه الآباء القدّيسون. إيمانُه، مرتكزٌ على المسيح، وعلى روح الفكر الآبائيّ.

 

خلاصة:

أدَّى كتاب القدّيس نيقوديموس عن المناولة المتواترة، في ذلك الوقت، إلى صراع في دوائر البطريركيَّة المسكونيَّة الكنسيَّة. لم تكن المناولة المتواترة، العادة المُتَّبَعة في الكنائس الأرثوذكسيَّة حينها. في النّهاية، وبعد طول نقاشٍ، حصل الكتاب على البركة الرّسميَّة الكنسيَّة، وأوصيَ به أنَّه "جيِّدٌ ومفيدٌ جدًّا". ولكن حتَّى اليوم، لا تُقبَل أفكار القدّيس نيقوديموس من دون تحفُّظٍ، في العالم الأرثوذكسيّ كلّه، ولا تزال مسألة المناولة المتواترة قائمةً. يوجِّه القدّيس نيقوديموس هذه الكلمات إلى المؤمنين: "أتوَسَّلُ إليكم، من أعماق قلبي، وبمحبَّةٍ أخويَّة. استيقظوا، من سُبات اللّامبالاة، وانتبهوا، عند ذكرِ المناولة المتواترة لعطايا أسرار المسيح الثّمينة".

 

https://pemptousia.com/2020/10/the-divine-eucharist-according-to-saint-nikodimos-2/