عظة في أحد الأرثوذكسيّة​​

مصير الهراطقة

عظة في أحد الأرثوذكسيّة​​.

مصير الهراطقة.

القديس لوقا الجرّاح، أسقف سيمفروبول.

نقلها إلى العربيّة: ماهر سلّوم.
 

أُلقِيَت هذه العظة في 25 أذار 1945 – أحد الأرثوذكسية

 

في الأحد الأول من الصوم الكبير، المُسَمّى أحد انتصار الأرثوذكسيّة، تحتفل الكنيسة المقدّسة بِتَحديد وتَوطيد الإيمان الأرثوذكسيّ، والانتصار على الهراطقة العَديدين المُدانين من المَجامِع المسكونيّة السَّبعة.

أنتم تعلمون أنه حتى منذ أيّام الرُّسُل، ظهر العديد من المُعَلِّمين الكَذَبة، وظلَّ عَدَدُهُم يزداد عبر القُرون. لقد ثار الهراطقة، مُشَوِّهين الإيمان الأرثوذكسيّ، مُبتَدِعين تَغييراتِهم الكافِرة في قانون الإيمان، مُعَلِّمين، بِصورة خاطئة، عن ألوهيّة ربِّنا يسوع المسيح. وكَثيرون تَبِعوا شَرَّهُم، كَثيرون هَلِكوا بالموت الأبديّ.

لقد تَنَبّأ الرُّسُل القدّيسون بِكُلِّ هذا. إلَيكُم ما يقول القدّيس بطرس الرَّسول في رسالته الثّانية الجامِعة: «وَلَكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي ٱلشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، ٱلَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلَاكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلَاكًا سَرِيعًا. وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. ٱلَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ ٱلْحَقِّ» (2 بطرس 1:2-2). ويُحَذِّرُ القدّيس بولس أهلَ أفسس المسيحيّين قائلاً: «لِأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذَهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لَا تُشْفِقُ عَلَى ٱلرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال الرُّسُل 29:20-30).

فحتّى في ذلك الوقت، في الأزمِنة الرَّسوليّة الأولى، بدأت الانقسامات في كنيسة المسيح، ولكنَّ ربَّنا يسوع المسيح بِذاتِه قال إن كنيسته المقدَّسة هي واحِدة: «وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (يوحنا 16:10). وفي صلاته الكهنوتيّة، تضرّع إلى أبيه قائلاً: «لِيَكُونَ ٱلْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا» (يوحنا 21:17).

لقد علّم الربُّ عن وحدة الكنيسة، فهو رأسُها وراعيها؛ لقد سعى المُعَلِّمون الكَذَبة والهراطقة، على أنواعِهم، ومثل الذِّئاب الخاطِفة، دومًا إلى عَزْلِ أنفُسِهم عن المسيح وسَلْبِ قسمٍ من قَطيعِه، فَهُم مُتَعَطِّشون للقوّة والمَجد العالَمِيّ. إنّهم يُقَلقِلون ويَنخُرون كنيسة المسيح. في سنة 1054، بسبب ادّعاءات بابوات روما عن السّلطة غير المُنقَسِمة في الكنيسة، التي أرادوا أن يَحكُموها بِمُفرَدِهِم، انفصل الغَربِيّون، أي الكنيسة الكاثوليكيّة، عن الشَّرقِيّين، عن الكنيسة الأرثوذكسيّة التي ننتمي إليها. لم يُمارِس الرُّسُل القدّيسون الإدارة في الكنيسة بواسطة شخص واحد: لقد كانت الكنيسة خاضِعة للمَجامِع، ولم يُطْلِق أحدٌ على ذاته إسم خليفة المسيح على الأرض. لقد قام الأرثوذكس بِكُلِّ شيءٍ من أجل مَنْعِ الانقسام، لكنَّ الله سمح بأن يحصل.

في القرن السّادِس عشر، ظهر مُعَلِّمٌ مُنْشَقٌّ جديد، لوثِر، الذي أخضع تعليم الكنيسة بِجُمْلَتِهِ إلى انتقاداته الوَقِحة والمُتَعَنِّتة، وحَرَّفَهُ بالكامِل، كما ارتآهُ مناسِبًا. فَبَرَزَتْ الهرطقة اللوثريّة (البروتستانتيّة)، وهي انقطاع تامّ آخر عن الرُّسل، وقد سبق وحصل الانقطاع عن الرُّسُل مع الغربيّين سنة 1054. ثمّ بدأت الانقسامات البروتستانتيّة المتواصلة إلى العديد من الطَّوائف والمَذاهِب، فقد أعطى لوثِر أتباعَه كلَّ الحقّ في تفسير الكتاب المقدَّس حسب ما يَرونَهُ مناسبًا.

تفسيرٌ كهذا، من دون إرشاد رعاة الكنيسة المُقامين من الله، يصير تَحريفًا حتمًا. فَهِمَ كلُّ أحدٍ من هؤلاء الكتابَ المقدَّس حسب إرادته، حسبما توقّف عليه جهلُه وضعفُه. ولدى البروتستانت الآن عدد كبير جدًّا من الشِّيَع.

بَيْدَ أن ما يُثير حُزنَنا، هو أن تأثير هذه الهرطقات والطَّوائف البروتستانتيّة قد تغلغل في كنيستنا. فكثيرون من شعبنا قد تخلّوا عن إيمان آبائهم وتَبِعوا الطّوائف البروتستانتيّة. هكذا ظهر الاشتُندِيّون1 والمعمدانيّون والعديد من الشِّيَعِ الأخرى فيما بيننا.

إن الشعب الجاهل، غير المُثَبَّت بالحق، يلجأ للطَّوائف، ويبتكر عقيدته الخاصّة، إذ ينغمس بالنَّقيصة الأسوأ، بالخطيئة الأعظم، خطيئة التكبُّر الشَّيطانيّة. يَجسُرون، بوقاحةٍ، على انتقاد ما ثُبِّتَ في المَجامع المسكونيّة، ما حَدَّدهُ الرُّسُل القدّيسون، ما تعلّمهُ الكنيسة الأرثوذكسيّة. يُخضِعون الكتاب المقدَّس بكامِله، كلَّ العهد الجديد، بِجَهْلٍ وسَخافةٍ، لانتقاداتِهم الهَدّامة، فيختارون من الكتاب المقدَّس فقط ما يُلَبّي محبّتهم لِذاتِهم وكبرياءَهم، ويطرحون كلَّ ما يُناقِضُ آراءهُم التي سَبَقوا وصَوَّروها في أذهانِهِم.

التكبّر والجهل الشّديد هي جُذور الطوائف. على الجميع أن يتذكّروا هذا. لقد تحوّلت الطوائف فيما بيننا إلى أشكالٍ متوحِّشة وغريبة، بَغيضة في غَبائها في رَفضِها السَّفيه للتَّعاليم المسيحيّة؛ إنَّه لَمِنَ المُعيب التَّكَلُّمِ عن بعض هذه الطّوائف.

العديد من الطّوائف ترفض ألوهيّة يسوع المسيح. من العار على الشعب الرّوسي أن يكون فيه أناسٌ رفضوا كلَّ ماضيهِم، كلَّ أصولِهم الوطنيّة القديمة، إيمانَهُم الأرثوذكسيّ، وبدأوا الاعتراف بالإيمان اليهوديّ، فهناك العديد من الطّوائف المُتَهَوِّدة المُلتَزِمة بكامل شريعة موسى، ويُكَرِّمون الأعياد اليهوديّة، ويَخضَعون للاختتان مع أبنائهم، ويصبحون يَهودًا. بعض الطّوائف تَصِلُ إلى هذا الحَدِّ من الحَماقة.

لقد قال القدّيس بطرس الرّسول في رسالته الثّانية الجامِعة: «غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ يُحَرِّفونَ رسائل القديس بولس كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ» (2 بطرس 16:3).

وهذه هي كلمات القدّيس بولس الرَّسول: «كَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟» (رومية 15:10). رُعاة الكنيسة، الأساقفة والكهنة، هم مُرسَلون للبشارة: الأساقفة يُرسِلون الكهنة، والأساقفة ينالون هذه السُّلطة من الرُّسُلِ، فقد أوصى الرّبُّ الرُّسُل بأن يَرعَوا شعبه قائلاً: «اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (لوقا 16:10).

تنطبق هذه الكلمات، بشكل مباشر، على أتْباع الطوائف الذين لا يُصغون لِخُدّام الكنيسة، فيرفضون الربَّ يسوع المسيح ذاته والآب الذي أرسلَهُ. وبِما أن الطوائف رفضت الحقيقة الإلهيّة، فقد داسوا على وصايا الله، وجَحَدوا أسرار الكنيسة، وعَزَوا على أنفُسِهم حقَّ التَّبشير. بماذا، وكيف سيبَشِّرون إن لم يكونوا مُرسَلين؟

لا يوجد خطيئة أكثر فَداحَةً من الانشقاقات والانقسامات في كنيسة المسيح. هكذا قال القدّيسون العُظَماء. سأقتبس كلمات القديس الشهيد كبريانوس: «مَن لا يحفظون الوحدة والشركة الوَثيقة مع الكنيسة، حتّى لو عَرَّضوا أنفسَهُم للموت في سبيل الاعتراف بالمسيح، فلن تُغسَلَ خطيئتهم حتى بالدَّم ذاته: إن الذَّنْبَ الشَّديد الذي يسبّبه الانقسام لا يُمحى حتّى بالدَّم». ويقول قدّيسٌ شهيدٌ آخر، إغناطيوس المتوشِّح بالله: «لا تنخَدِعوا يا إخوة، مَن يتبعُ مُسَبِّبَ الانشقاق لن يَرِثَ ملكوت الله».

أتَرَون فَداحة خطيئة الانشقاق والطّوائف، وفَظاعة الانحراف عن الكنيسة واتّباع الهراطقة؟ لقد حَذَّرَنا الرُّسُل القدّيسون مِرارًا من هذا. يقول القدّيس بولس في الرّسالة إلى أهل رومية: «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ أَنْ تُلَاحِظُوا ٱلَّذِينَ يَصْنَعُونَ ٱلشِّقَاقَاتِ وَٱلْعَثَرَاتِ» (رومية 17:16).

قال الربُّ يسوع المسيح: «اِحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلْكَذَبَةِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ٱلْحُمْلَانِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (متى 15:7). اِعرفوا، يا شعب الله، أنَّ أصحابَ الطوائف مُنافِقون، أنهم يتنكّرون بِقِناع المحبّة والتّواضُع. إنهم خُبَثاء للغاية: إنهم يُدَغدِغون آذانَكُم، يتظاهَرون بأنهم قدّيسون، يجتَذِبونَكُم إليهم بواسطة "المحبة”، يُسحِرون عُقولَكُم بِشِباكِهم، وفي هذه الشِّباك ستَهلِكون.

يصرخ القديس بولس الرّسول في رسائله إلى أهل تسالونيكي وغلاطية: «ٱثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِٱلْكَلَامِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا» (2 تسالونيكي 15:2). «وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلَاكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ ’أَنَاثِيمَا’ (مَفروزًا)!» (غلاطية 8:1)

بهذه الكلمات، يَفرُزُ (anathema) بولس الرّسول جميع أعضاء الشِّيَع، الذين يخدعون النّاس بِتَعاليمِهم الخاطئة. والكنيسة المقدَّسة تتبع كلمات القدّيس بولس، وتَفرُزُ جميع الهراطقة في أحد انتصار الأرثوذكسيّة، وجميع الذين لا يعترفون بالمجامع المسكونيّة والتّقليد المقدَّس. تذكّروا واعلموا أنه إذا اجتذبكُم أحدهم إلى هذه الطّوائف، تُصبِحون خاضِعين للفَرْز، للأناثيما، لِلَّعنة الأبديّة. ما الذي يمكن أن يكون أكثر تَرويعًا من هذا؟ لا أعلم. يمكنني فقط أن أتوسّل إليكم، مثل القدّيس بولس الرّسول، أن تَحتَرِزوا من هؤلاء الوحوش المُفتَرِسة، اِحذروا مِمَّن يُسَبِّبون الشِّقاقات، لا تذهبوا أبدًا إلى اجتماعاتهم، وإلّا سوف تَتسمّمون بِتَعاليمِهم المُفسِدة. اِرهَبوا التّواصُل مع الهراطقة وأتباع الطّوائف كما ترهَبون النّار. تمسّكوا بالإيمان الذي تعلّمنا إيّاه الكنيسة المقدَّسة، إيمان الإنجيل، إيمان المسيح، إيمان الرُّسُل، وسوف يُخَلِّصُكُم ربُّنا يسوع المسيح. آمين.

https://www.mystagogyresourcecenter.com/2023/03/third-homily-on-sunday-of-orthodoxy-st.html


 

1. الاشتُندِيّون هي تعريب لكلمة shtundists التي تُشير إلى الجَماعات الإنجيليّة التي ظهرت بين الفلّاحين في أوكرانيا عندما كانت جزءًا من روسيا القيصريّة في القسم الثاني من القرن التّاسع عشر. كان الاشتنديّون مُتأثِّرون بشدَّةٍ بالمعمدانيّين الألمان وغيرهم من الجَماعات البروتستانتيّة التي تمركزت في الأقسام الجنوبيّة من روسيا القيصريّة. (المُتَرجِم).