رسالة شيخ إلى ابنة روحيّة في حيرة بين العالم والدير


من رسائل القديس امبروسيوس الذي من اوبتينا

تعريب كرم بشور

 

كانون الاول ١٨٧٩

 

في الرسالة الأخيرة في الرابع من كانون الأول، كنت قد كتبتِ بأنّك لا تستطيعين إيجاد أيّ كتابٍ يتطابق مع حالتك. تقولين بأنّ جميع الكتب تتناول موضوع الرهبنة، بينما أنتِ لست براهبةٍ، ولكنّك تعيشين ببساطة بالقرب من دير. جوابًا على ذلك، أودّ أن أقول لك هذا: إنّ تعاليم الإنجيل موجّهة للجميع من دون تمييز، والكلّ ملزمٌ بتطبيقها. تنبع الرهبنة من الرغبة في العيش تحديدًا بحسب تعاليم الإنجيل. وهذا أمرٌ صعبٌ للغاية وسط ضجيج المدينة واهتمامات الحياة في العالم، مما يعيق تطبيق تعاليم الإنجيل بدقةٍ، علمًا بأنّ كلّ إنسان مدعوّ لذلك. يتميز العلمانيّ عن الراهب بأنّه يسمح له بالعيش في حالة الزواج، أما الثاني فيختار أن يبقى غير متزوّجٍ. اقرئي مرارًا إنجيل متّى، من بداية الإصحاح الخامس حتّى نهاية الإصحاح العاشر، وحاولي أن تعيشي وفْقَ ما هو مكتوبٌ. حينئذ، ستتّسمُ حياتُك بالوئام، وسوف تحظَيْنَ بالسلام الدّاخلي.

١١ كانون الثاني ١٨٧٩


سلامٌ لك وبركة الرب. في الثالث من شهر كانون الثاني كنتُ قد كتبتُ لكِ بإيجازٍ أنّ الحياة الرهبانية لا تختلف بأي حال عن تعليم الإنجيل، وأنّ أولئك الذين يعيشون في العالم يختلفون عن الرهبنة فقط فيما يتعلّق بحالتهم الزوجيّة. أما فيما يخصّ المتزوجين، يكتب القديس يوحنا السّلمي أنهم مثل أولئك الذين قُيِّدَت أياديهم وأقدامهم بالأغلال. رغم أن ه‍ؤلاء يمكنهم أن يسلكوا طريق البرّ، ولكن فقط بصعوبة، وغالبًا ما يتعثرون ويسقطون ويصابون بالتالي بجراحٍ خطيرة نتيجة لذلك. أمّا حالة عدم الزواج -وبخاصة الرهبنة- فهي تتيح فرصةً أسهل لتطبيق تعاليم الإنجيل. ولهذا السّبب أسّس الآباء القدّيسون الرهبنة.

أنتِ الآن في الوسط ما بين العالم والرّهبنة. الطريق الأوسط مُستَحسَنٌ أينما كان، بالنسبة إليكِ -لأجل تربيتك وضعف بُنْيَتِك- فإنّه بكل الاحوال يُناسِبُك. اجتهدي فقط في أن تعيشي بحسب وصايا الانجيل. علاوةً على كل شيء، لا تديني أحدًا على أي شيءٍ حتى لا تُداني أنتِ بدورِك.


في رسائلي، كان لديّ دائمًا هدفٌ واحدٌ- هو أن أُبدِّد مَفاهيمك الخاطئة حول الرَّهبنة والحياة الروحية بشكلٍ عام، الذي كوّنتِهِ وأنتِ تعيشين بعدُ في العالم. ربما سمعتِ أنه قيل حتى النظرية الصحيحة لا تتوافق دائمًا مع الممارسة. تجربة المرء حين تتبع تجارب سابقة لأناس روحيين، هي خيرُ معلّمٍ، شرط أن تكون مطابقة للتعاليم الكتابية والآبائية.

لقد وضعتِ لذاتك ولحياتك أساسًا غريبًا نوعًا ما: أردتُ ذلك، فكّرتُ بذلك، كنتُ أَنوي ذلك...انكِ لستِ الوحيدة. كثيرون يرغبون بحياةٍ روحيةٍ بأبسط أشكالها، وقِلّةٌ هم الذين يحقّقون رغباتهم الصالحة فِعليًّا. إنهم أولئك الذين يتمسّكون بدقةٍ بكلام الكتاب المقدس: «بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (أعمال ١٤: ٢٢). فالذين يلتمسون معونة الله، يجتهدون في تحمّل الأحزان، الأمراض والمَشَقّات المختلفة التي تصيبهم بدون تذمّرٍ، متذكرين دائمًا كلام الرب نفسه: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا» (متّى ١٩: ١٧).

 


لعلّ أهم تلك الوصايا هي: «لَا تَدِينُوا فَلَا تُدَانُوا. لَا تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» (لوقا ٦: ٣٧). إضافةً إلى هذا، أولئك الذين يريدون أن يَخلُصوا عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار قول القديس بطرس الدمشقي بأن الخلاص يتحقّق بين الخوف والرجاء...


إن العيش في كوخٍ بسيطٍ من دون التواضع، لن يؤدّي إلى أي صَلاح. إنه لمن الأفضل لشخصٍ ضعيفٍ بالنفس والجسد أن يعيش في قِلّايةٍ مُريحةٍ وأن يتواضع ويوبخ نفسه على هذا المسكن المريح والواسع. قلةٌ فقط هم الذين يمتلكون بُنيةً قويّةً، يمكنهم دونما أذى أن يعيشوا حياةً تَقَشُّفيةً وأن يتحملوا البرد، والجوع، والرطوبة والنوم على الأرض. بحسب القديس بطرس الدمشقي، أولئك الضعفاء في الجسد ينتفعون من التواضع وتقديم الشكر أكثر مِمّا ينتفعون من الجِهاد الجسدي والروحي.
إنّك تتأثرين سلبًا بالكلمات القاسية لمثل هؤلاء الأشخاص الذين برأيك، يجب أن يتحدّثوا بطريقةٍ مختلفة. يقول القديس يوحنا السلمي بأن الله بتدبيره الالهي يترك بعض العُيوب حتى في الأشخاص الروحانيّين لكي يتّضعوا.             

                                                                      
إن كنتِ تسيرين على طريقٍ ثابتٍ نحو الخلاص، حاولي قبل كل شيء أن تنتبهي جيدًا لنفسكِ وحدكِ، اتركي الجميع للعناية الإلهية وإرادتهم الشخصية ولا تهتمي بإرشاد أحد. ليس عبثًا قيل: كل إنسان يجلب لنفسه خِزيًا أو مجدًا بحسب أعماله. سيكون هذا هو الأكثر فائدة وباعِثًا للخلاص، أضِف إلى ذلك، أنه الأكثر سلامًا.

 

المصدر:

https://blog.obitel-minsk.com/2017/10/an-elders-correspondence-to-his.html



آخر المواضيع

عظة في إنجيل الإيوثينا الحادية عشرة (يوحنا21: 14 - 25)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-04-04

عظة في إنجيل الإيوثينا العاشرة (يوحنا21: 1 - 14)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-29

عظة في إنجيل الإيوثينا التاسعة (يوحنا 20: 19 - 31)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-22

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا