حماية والدة الإله في حياة الكنيسة


حماية والدة الإله في حياة الكنيسة

سيادة المطران نيقولاوس ميتروبوليت ميسوغيا ولاڤريوتيكي

نقله إلى العربية: ماهر سلّوم

 

إن الاحتفال الذي نقوم به في 28 تشرين الأول، المعروف بإسم عيد الحماية المقدّسة1، هو في الأساس إعادة ترتيب للعيد الذي تحتفل به الكنيسة في 1 تشرين الأول والذي أصبح الآن في 28 تشرين الأول. جميع الكنائس غير الناطقة باللغة اليونانية تحتفل بعيد الحماية المقدسة في 1 تشرين الأول.

ومع ذلك، وبما أن حادثة 28 تشرين الأول 1940، التي وقعت مؤخَّرًا في حياة الهيلينية، قد أضيفت إلى العيد، وبما أن الكنيسة، من خلال شهادات القدّيسين والناس البسطاء، شعرت أن تدخُّل والدة الإله هو أساسي في هذه الصفحة الجديدة في تاريخ مجد الهيلينية، طلب المجمع المقدّس للكنيسة اليونانية من الراهب جيراسيموس ميكراغيانانيتيس، وهو ناظم التسابيح العظيم آنذاك، تعديل خدمة الحماية المقدسة. وفي عام 1953 تم نقل عيد الحماية المقدسة لوالدة الإله الفائقة القداسة من 1 تشرين الأول إلى 28 تشرين الأول، ودمج الاحتفال الوطني مع العيد الكبير لوالدة الإله.

يُشار إلى هذا العيد في حياة القديس أندراوس المُتَبالِه من أجل المسيح وتلميذه إبيفانيوس. في أحد الأيام، كانا في القسطنطينية يصلّيان في كنيسة الكلية القداسة في ڤلاخرنيا، وشاهَدا بكلّ وضوح رؤيا بأعيُن ذِهنهما المقدسّة.

تكرّم الكنيسة هذه الرؤيا، ليس باعتبارها حَدَثًا في حياة رَجُلَين، بل باعتبارها حقيقة ذات أثَر في حياة كل مسيحي وفي الكنيسة بأكملها.

فقد شاهَدا والدة الإله تُحيط بالقسطنطينية، وهي تصلّي لابنها وإلهها، ثم انحنت وخلعت رداءها الذي كانت ترتديه على كتفيها، وسَتَرَت به المدينة بأكملها. تنظر الكنيسة إلى هذه الرؤيا على أنها تَجسيد وإعلان للحكمة الإلهية كما تظهر في حياة الكنيسة وترتبط بشخصية والدة الإله المقدّسة.

السيدة الكلية القداسة هي حمايتنا، وحماية والدة الإله للكنيسة ولكل واحد منا تعني أربعة أشياء. الأول هو ما يبرّر نقل هذا العيد من 1 تشرين الأول إلى 28 تشرين الأول.

إنها سِترُنا وحمايتنا من الآلام والمخاطر والأمراض والحاجات. إنها الحماية التي نلتمسها استجابةً لصعوباتنا، للهروب من الجو الخانق للحياة اليومية لكل واحد منا.

نحن نواجه الكثير من الأمور: تظهر العَقَبات عندما لا نتوقّعها، وتؤثّر المشاكل على مَسارِ حياتنا في هذا العالم، وتُعَقِّد المَسائل أعمالنا وحياتنا اليومية وعلاقاتنا مع الآخرين، وحتى على استمراريّتنا. عندئذ نلجأ إلى شخص والدة الإله.

نحن نفعل ذلك ليس لأننا تَعَلّمنا ذلك، بل لأن تجربة الكنيسة عَلَّمَتنا أن نفعل ذلك. نحن نرنّم: «ليس أحَدٌ يُسارِعُ إليكِ ويَمضي خازيًا مِن قِبَلِكِ أيّتُها البتولُ النّقيَّةُ أمُّ الإله»2.

لا يوجد أي طلب يُقدَّم بتواضع لوالدة الإله الفائقة القداسة ويبقى من دون إجابة.

إنها ضمير أمَّتِنا، حسب ترتيب إلهنا الرحيم، وحيث نشعر، حسب منطقنا وحَواسِّنا، أننا سنُسحَق ونُدمَّر، نختبر معجزة حريتنا بشفاعة والدة الإله.

لذلك ننسب هذه الأمور إلى حماية وسِتر والدة الإله الفائقة القداسة لأمَّتِنا، ليس كَقَومِيِّين نميّز أنفسنا عن الآخرين ظُلمًا بأن لدينا حُظوة خاصة بنعمة الله، بل معترفين بأن أمَّتَنا الأرثوذكسية، المُضَرَّجة بدماء الشهداء، والمستَلهِمة بصلوات القديسين، والمُعَمَّدة في تقليد وحياة كنيستنا المقدّسة، قد رفعت هذه الصلوات والابتهالات في الأوقات الصعبة، واستجابت لها السيدة الكُلية القداسة من خلال ابنها. هذا هو أحد معاني حمايتها.

أما المعنى الثاني فيشير إلى العهد القديم؛ فقد كانت السحابة هي التي رافقت العبرانيّين وسَتَرَتهُم أثناء تجوالهم في الصحراء، وهي مرتبطة بشخص والدة الإله. هذا السِّتر المقدس يوفّر الدفء في حياة كل مسيحي.

يخبرنا العلماء أن البرد يكون أكثر قسوة خلال ليالي الشتاء الصافية. ولكن عندما تكون هناك سحابة، فإنها تُنشِئ احتباسًا حَرارِيًّا وتحافظ بطريقة ما على الدفء والحرارة، وهذه الحرارة تسمح للأزهار أن تتفتّح، وللأشجار أن تثمر في العالم بأسره.

وكذلك فإن وجود والدة الإله في هذا العالم، يوفّر هذه الحلاوة، هذا الدفء الذي يحتاجه كل واحد منا في شتاء مَسيرة حياته.

لا يمكن للمرء أن يجاهد ولا يمكن أن توجد حياة روحية بدون فرح. مصدر فرحنا ودفئنا وأملنا، الذي يمنحنا الثَّبات في جهاداتنا والشجاعة في مِحَنِنا، هو والدة الإله الفائقة القداسة.

إن سِتر وحماية والدة الإله لا يقدّمان لنا الدفء فحسب، بل يقدّمان أكثر من ذلك؛ فهما يُخفِيان عَورَتَنا. بما أن السيدة الكلية القداسة هي حمايتنا، فهي تخفي عورة الجنس البشري الساقط، وكورقة التين في الفردوس، فهي تستُر أجسادنا الخاطئة بأجمل ثوب وتجعلنا أهْلاً للوقوف أمام الله. كل هذا بفضل قداستها.

لهذا السبب نسمّيها «والدة الإله الفائقة القداسة»، فهي هي النموذج الأسمى للقداسة من حيث الأخلاق والفضائل الروحية.

لِذا، العنصر الثالث الذي يحمل معنى حماية والدة الإله هو أنها الثوب الذي يخفي عورتنا بعد خطيئة وسقوط الجنس البشري. إنها الثوب الذي يؤهّل الطبيعة البشرية لالوقوف أمام الله، إنها ثوبٌ يزيّننا.

هناك معنى رابع أخير لحماية والدة الإله. الدور الذي تلعبه والدة الإله في حياة الكنيسة هو نفس الدور الذي لعبته الغمامة عندما دنا موسى من وجه الله على جبل سيناء.

لقد سَتَرَ موسى وجهَه، فكان في ظُلمة مُشرِقة في الغمامة، كأنه في الضباب، حيث لم يكن يستطيع أن يرى أو يسمع، وحيث كان يستطيع التّواصل من دون خبرة حِسّية مباشرة.

هذا ما تفعله والدة الإله. إنها تخفي وجه الله قليلاً. بالتأكيد، ليس لِمَنْعِنا من معرفته، ولكن حتى لا ندمّر صورته فينا بِدالَّتِنا.

كما أن عزاءنا يكمن في حقيقة أن الله أصبح إنسانًا، فإن عزاءنا أيضًا هو والدة الإله، وهي إنسانة وصلت إلى مثل هذا الرِّفعة وصارت قريبة جدًا من صفات الله، بحيث أنها قادرة على أن تنقلنا إلى هذه الدَّرَجة من الرِّفعة، بمثالها، ولكن بشكل خاص بشفاعتها.

لهذا السبب، كل مسيحي، كل مؤمن، هو عضو في الكنيسة، ويستطيع اختبارَ رؤية الله التي اختبرها موسى، واختبار نعمة والدة الإله الممتلئة نعمة، والمشاركة من خلالها في سر الله.

والدة الإله الفائقة القداسة هي التي تجمع صلواتنا وتقدّمها لله وتمنحنا إحساسًا به.

يا للإستنارة! كيف رتّب الله الأمور حتى نتمكّن نحن البشر من غَرْسِ التواضع في قلوبنا، وجَعْلِها المتواضعة، وبصلوات وحماية ونعمة والدة الإله، نتمكّن من الإدراك وتوجيه أنظارَنا عاليًا نحو وجهه!

هذه هي النِّعَم الأربع العظيمة التي تربط حماية والدة الإله بحياة الكنيسة. الأولى هي الحماية والدّالّة في صلواتها. والثانية هي الدفء والراحة اللذان يمنحُهُما وجودُها. والثالثة أنها، بِقَداسَتِها، قد سَتَرَت عورتنا التي جلبتها السقطة والخطيئة. والرابعة هي النعمة، التي تَستُر وتحمي الإنسان بطريقة ما من أي علاقة خاطئة مع الله، أي كل علاقة يمكن أن تحرقنا وتدمّرنا، عندما لا تتملّك علينا الأنانية والكبرياء بدل التواضع ومخافة الله.

في مثل هذا اليوم، نمجد الله على حريتنا. نتذكّر تاريخنا، ماضينا. وفي الوقت نفسه، نشكر الله على الحُظوة العظيمة التي حصلنا عليها بِشَخص والدة الإله الفائقة القداسة.

لنصلِّ بحرارة أن ترافقنا حمايتها في صحراء حياتنا، حتى نتمكّن من خلال قداستها من الدُّنُوّ من وجه ربّنا في هذه الحياة «فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ» (1 كورنثوس 12:13)، وفي الحياة الأبدية أن نلتقي به في ملكوته «وَجْهًا لِوَجْهٍ». آمين.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2014/10/the-protection-of-theotokos-in-life-of.html?m=1

 

1. نقلت كنيسة اليونان تذكار حماية والدة الإله إلى 28 تشرين الأول تَيَمُّنًا بالأعجوبة التي اجترحتها والدة الإله سنة 1940 خلال الحرب العالميّة الثانية حين قامت بحماية الجيش اليوناني على جبهة القتال. وقد تزامنت هذه الأعجوبة مع نزول الشعب اليوناني إلى الشوارع هاتفًا "لا” (οχι) جوابًا على إنذار موسوليني بإحتلال أقسام من اليونان. هذه الحادثة أصبحت عيدًا وطنيًّا في اليونان في 28 تشرين الأول. (المعرِّب)

2. من البراكليسي الصغير لوالدة الإله. (المعرِّب)



آخر المواضيع

حماية والدة الإله في حياة الكنيسة
الفئة : مواضيع متفرقة

المطران نيقولاوس ميتروبوليت ميسوغيا ولاڤريوتيكي 2025-09-30

القِدِّيسةُ تقلا أُولَى الشَّهيداتِ
الفئة : مواضيع متفرقة

المُتَقَدِّمُ في الكهنَةِ غريغوري دياشنكو 2025-09-22

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا