معنى شجرة التين التي يبست الواردة في الإنجيل


معنى شجرة التين التي يبست الواردة في الإنجيل

القديس مكسيموس المعترف

نقلها إلى العربيَّة الشماس مكسيموس سلُّوم

في الأجوبة على ثالّاسيوس

 

السؤال العشرون:

ما معنى شجرة التّين التي يَبِست في الإنجيل خِلافًا للمنطق؟ وما هو جوع المسيح المُفرِط الذي لأجلِه طلب التّين في غير أوانه؟ وما معنى اللعنة على شيءٍ عَديم الحِسّ؟

 

الجواب:

إنَّ الكلمة الإلهيّ، الذي يضبط كلَّ شيء بحكمةٍ من أجل خلاص البشريَّة، قد هذّب أوَّلاً الطبيعة البشريَّة بشريعة تتطلَّب تقيُّدًا أكثر بالجسد، لأنَّ جهلَ البشريَّة وغُربَتَها عن النموذج الأصلي للحقائق الإلهيَّة كان يمنعها من تلقّي الحقيقة خالية من الحَواجِز المَجازية. بعد ذلك، أصبح إنسانًا جَلِيًّا باتِّخاذه جسدًا يمتلك نفسًا عاقلةً وذهنًا، وأعاد توجيه مَسار الطبيعة البشريَّة - بقدر ما هو الكلمة - نحو العبادة غير الهيوليّة والذهنيَّة بالروح. بمجرّد أن تجلَّت الحقيقة للحياة البشريَّة، لم يشأ الكلمة في أن يسيطر الظلُّ على تلك الحياة، الظِلّ الذي هو على شكلِ وصورة شجرة التين. لهذا السبب يقول الكتاب المقدَّس إنَّه قابَل شجرة التين "أثناء عودته من بيت عنيا إلى أورشليم". بمعنى آخر، بعد حضوره المجازي، الظِّلّي، والمستتر في الشريعة، يعود حاضرًا من جديد في الطبيعة البشريَّة من خلال الجسد (هكذا يجب أن يفهم المرء معنى كلمة "العودة")، إذ رأى حينها "شجرة تين على الطريق ولم يجد فيها إلاَّ ورقًا فقط". من البديهي أنَّ الشجرة هي التقيُّد الجسديّ بالشريعة، هي الكائنة في الظلال والأشكال، ذات التقليد الوقتيّ والزائل، ولذلك وُجدت "في الطريق"، علامةً على الأشكال والمبادئ العابرة. لَمَّا رأى المسيح أنَّها، كشجرة تين، مُزيَّنة، ببذخٍ وإسرافٍ، بأوراقٍ خارجيَّةٍ من شريعة التقيّد بالجسد، ولم يجد فيها ثمرًا، - من الواضح أن المقصود هو ثمر البِرِّ - لَعَنها لأنَّها لم تُغَذِّ الكلمة. أو بالأحرى، أمَرَ بألّا تتسلّط رموز الشريعة على الحقيقة وتحجبها. وقد ثبت هذا لاحقًا بالأفعال، عندما تبدّد بهاءُ الشريعة، الظّاهرة فقط في صورٍ خارجيَّةٍ، وتلاشى اعتزاز اليهود بها. فبِقَدر ما ظهرت حقيقة ثمار البِرِّ جَلِيًّا، لم يكن معقولاً ولا ملائمًا أن تُخدع شهيّة السائرين في طريق الحياة بـ"أوراق" مُجرَّدة، فيُهمِلون بذلك ثمر الكلمة الصالح للأكل. ولذلك قيل: "لم يكن وقت التين". بمعنى آخر، لم يكن زمنُ سيادة الناموس على الطبيعة البشريَّة زمنَ ثمار البِرِّ، بل كان رمزًا لتلك الثمار، ودلالةً على النعمة الإلهيَّة اللامتناهية الآتية، القادرة على خلاص الجميع. ولأنَّ الشعب القديم لم ينل هذه النعمة، فقد هلك لعدم إيمانه. إذ يقول الرسول الإلهي: "إنَّ إسرائيل، وهو يسعى في إثر الناموس" - مشيرًا بالطبع إلى الناموس في الظلال والرموز - "لم يدرك ناموس البرِّ"، أي الناموس الذي تحقّق بالروح من خلال المسيح.

بالإضافة إلى ذلك، كان معظم الكهنة والكتبة والناموسيين والفريسيين مرضى بِهَوى المجد الباطل - الذي يتجلَّى في مظهرهم الخارجي بالتقوى الكاذبة والعادات الزائفة. ولأنَّهم كانوا ظاهريًّا يعملون عمل البِرِّ بينما كانوا في الواقع يغذُّون كبرياءهم، يقول الكلمةُ إنَّ كبرياءهم كشجرة تين غير مثمرة، غنيَّة فقط بأوراقها، بينما هو، الذي يريد خلاص جميع البشر ويتوق إلى تأليههم، يلعنها ويجعلها تَيبَس. يصنع هذا حتَّى يؤاثروا أن يكونوا أبرارًا حقًّا، ليس ظاهريًّا، ويزيلوا رداء النفاق حتَّى يلبسوا رداء الفضيلة، كما يريدهم الكلمة الإلهيّ. عندها سيقضون بقيَّة حياتهم في التقوى، مُسَلِّمين لله رغبة نفوسهم بدلاً من إظهار تَقواهم الزائفة للبشر.

إذا كان بعضنا، نحن المسيحيين، على هذا النحو، نتظاهر بالتقوى من خلال مظاهر خارجيَّة، دون أن يكون لدينا أعمال برٍّ، فما علينا إلاَّ أن نقبل الكلمة، الذي بمحبَّته للبشريَّة يتوق إلى خلاصنا، وسيُبَدِّد بذرة الشر في نفوسنا، أي شرّ الكبرياء، حتى لا نسعى بعد الآن إلى إرضاء الناس، الذي هو ثمرة الفساد.

هاك معنى هذا المقطع، الذي أفسّره بحسب قدراتي المحدودة، والذي يظهر فيه أنَّ الربَّ كان جائعًا بحقٍّ، وقد لعن شجرة التين وجعلها تيبس في الوقت المناسب، لأنَّها كانت عائقًا أمام الحقيقة، إمَّا باعتبارها تقليدًا قديمًا لمظاهر الناموس الجسديَّة، أو باعتبارها كبرياءً دينيًّا فارغًا عند الفريسيين وعندنا.

إنَّ جمال الناموس وكبرياء اليهود لم يمتلكا أي شيء حقيقيّ أو جوهريّ أكثر من الأشكال الخارجيَّة؛ فالناموس أصبح باطلاً بمجيء الربّ.
 

https://www.johnsanidopoulos.com/2019/04/the-meaning-of-withered-fig-tree-of.html



آخر المواضيع

معنى شجرة التين التي يبست الواردة في الإنجيل
الفئة : تفاسير كتابيّة

القديس مكسيموس المعترف 2025-04-13

يسوع المسيح كَمُهاجِر
الفئة : تفاسير كتابيّة

البروفيسور يوحنا كارافيذوبولوس 2024-12-30

ماذا تعني عبارة «على الأرض السلام وفي الناس المسرَّة»؟
الفئة : تفاسير كتابيّة

يوحنّا سانيدوبولوس 2024-12-24

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا